السؤال:
انتشرت في المنتديات مواضيع تحمل اسم "سجل حضورك
بالصلاة على النبي" بحيث يشارك فيها العضو بكتابة رد يحوي صلاة على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم. فهل هذه الطريقة مشروعة بارك الله فيكم؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإنه ينبغي التنبيه على أمر مهم، وهو أن كثيرًا من الإخوة يقصدون الخير
وتكثير الحسنات فتخطر على بالهم بعض الأفكار في ترديد الأذكار أو الصلوات
على نبينا صلى الله عليه وسلم وهم يشكرون على هذا الحرص على فعل الخيرات،
وهو يدل على صحة الإيمان وحياة القلب، فجزاهم الله عن المسلمين خير الجزاء.
غير أنه يجب التنبه إلى أن العبادات مبناها على التوقيف، فكل اقتراح في
بابها يجب أن يكون مستندا على دليل، فهي ليس مثـــل العادات التي مبناها
على الإباحة، فالأصل فيها أنه يجوز فعلها ما لم يأت دليل يحظرها.
فالواجب أن يحذر المسلم أن يقع في المحدثات التي حذر منها نبينا صلى الله
عليه وسلم عندما قال " إياكم ومحدثات الأمور" وقال –عليه الصلاة والسلام-
"كل بدعة ضلالة"، ومن ذلك أن يكون الذكر على هيئة جماعية أو التزام جماعي،
لم يرد في شيء من الأحاديث.
فلو فرضنا أن طالبا للخير دعا إلى أن لا
يدخل أحد مجلسهـم ـ مثلا ـ إلا أن يسلم ثم يصلي على النبي صلى الله عليه
وسلم كلما دخل قبل أن يجلس لقلنا له:
لك أن تذكر أهل مجلسك بفضائل
الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم وتدعوهم إلى الإكثار منها، كما ورد في
السنة، ولكن لا تجعل ذلك على هيئة الالتزام الجماعي بالطريقة التي دعوت
إليها؛ خشية أن يكون من الإحداث في الدين، إذ لم ترد مثل هذه الهيئة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة. ومثل هذا ما يقترحه بعض أهل الخير
الحريصين على الفضل في المنتديات، بالتزام الزائر بذكر مخصوص أو صلاة على
النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عند دخــوله، فله أن يذكر إخوانه بأن يحرص
كل مشترك على التذكير بآية أو حديث أو فضل عمل، أو حكمة يختارها يذكرنا
بها فإن ذلك من الذكرى التي تنفع المؤمنين، ولكن لا يلزم الجميع على أن
يسجلوا حضورهم بالصلاة مثلا أو غير ذلك من الأذكار المخصوصــة، فإن هذا
يشبه الالتزام الجماعي الذي لم يثبت به دليل، وقد ورد عــن الصحابة النهي
عنه. فقد نهى ابن مسعود رضي الله عنه قومًا كانوا قد اجتمعوا في مسجد
الكوفة يسبحون بالعدّ بصورة جماعية وذكر لهم إن ذلك من الإحداث في الدين.
[قد رواه الدارمي وغيره بإسناد صحيح].
وأخيرا نذكر بما قاله العلماء
بأن البدع تبدأ صغارا ثم تؤول كبارًا، بمعنى أن الإحداث في الدين -وهي
البدع- يتطور ويزاد فيه ويبنى عليه، ولا يقف عند حد، حتى يأتي اليوم الذي
تختلط السنن بالبدع، ولا يعرف المسلمون ما ورد مما حدث، كما فعلت الصوفية
المبتدعة حتى آل بها الأمر إلى أن اخترعت طرقا وهيئات في الذكر ما أنزل
الله بها من سلطان، وكل ذلك بسبب التسامح في البدء بالبدع الصغيرة، حتى
صارت كبيرة. ولهذا كان السلف الصالح ينهون عن الابتداع أشد النهي، كما ذكر
ذلك وروى عنهم ابن وضاح في كتابه القيم البدع والنهي عنها، وذكره غيره مثل
الطرطوشي في كتابه الحوادث والبدع، وأبو شامة في كتابه الباعث على إنكار
البدع والحوادث.
والله أعلم.
المفتي:
حامد بن
عبد الله العلي